وبهذا ننتقل إلى الفقرة الأخرى وهي: أن الأمة لا يواجهها إلا أمة، أمة الكفر لا يواجهها إلا أمة الإسلام على الحقيقة، أمم تحشد لنا آلاف أو عشرات الآلاف من الأساطيل، تحشد لنا هذه الآلاف من الفضائيات والقنوات والإذاعات التنصيرية التي تعد بالمئات بل بالألوف .. تحشد لنا هذه الثورة الهائلة من المعلومات ومواقع الإنترنت .. تحشد لنا كل وسائل التأثير التي تؤثر على عقيدتنا وتهزم نفسيتنا، وتريد أن تمتص أيضاً خيراتنا وثرواتنا، هذه الأمم بهذه الضخامة ونحن بماذا نواجهها؟ بأفراد متسلحين قليلين لا يواجهون .. بدعاة قليلين لا يواجهون .. بأفراد مفكرين قليلين لا يواجهون .. إذاعة صغيرة لا تواجه، كتيبات وأشرطة لا تواجه، هذه الأمة العظيمة يواجهها أمة عظيمة.
ومن هنا تأتي ضرورة حشد الأمة جميعاً بكل طاقاتها لكي تواجه هذا العدو، فعلى كل واحد منا أن ينظر إلى أخيه المسلم وزميله وجاره في العلم أو في الدعوة، وينظر على أي شيء يكون الاتفاق، فهو الكثير والحمد لله، وفي أي شيء نختلف؟ في بعض الاجتهادات، أو في التخصصات؟ فلا حرج في التنوع، هذا على ثغرة وهذا على أخرى، هذا في مجال الإعلام، وهذا في الاقتصاد، والآخر في الأدب، وهذا في التاريخ، وهذا مفسر وهذا محدث، وهذا لغوي، وهذا مترجم، وهذا يطبع، وهذا يكتب، وهذا يصنع السهم وهذا يمد به، وهذا يرمي به، كل شيء بأجره.
إذاً.. لابد أن تتحرك الأمة كلها، وانظر إلى نفسك إذا أراد عدو أن يغزو قبيلتك أو بلدك فأخذت سلاحك وخرجت، هل هذا مثلما لو أنك استنفرت أهل القبيلة جميعاً، أو المحافظة جميعاً، ثم وضعتم خطة، ثم قابلتم العدو.
إذاً.. لابد ومن الأهمية أن نتأنى وألا نستعجل في المواجهة، وأن نجعلها عامة شاملة في كل مكان، أن يعي الصغير والكبير والذكر والأنثى، والعامل والاقتصادي والمفكر والإعلامي أنكم جميعاً جنود، وأن هذه ثغرة، وأنكم يجب أن تواجهوا العدو، والأمثلة في هذا كثيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يخرج لقتال الروم لم يخبر أحداً، فخرجت الأمة معه صلى الله عليه وسلم، حتى من الأعراب ومن ضعفاء الإيمان، بل كان فيهم من المنافقين، لكن المهم أن يرى هرقل ويرى أعداء الله أن هناك عدداً، وأنها أمة، ولم يأخذ فقط أهل الشجرة، بل أخذ الجميع، وكان منهم من أخبر الله تعالى عنه في سورة التوبة بما فيه من نفاق وغير ذلك، حتى التتار لما جاءوا لم يقل
شيخ الإسلام رحمة الله عليه: أين
أهل السنة؟ أو أين الأخيار من أصحابنا؟ أو أين الذين يحاربون البدع؟
في الحقيقة ليس هذا وقت مثل هذا، لماذا؟
لأنك عندما تواجه العدو واجه بأمة، وهذه الأمة حتى من كان فيه بدعة، أو أخطاء أو معاصٍ أو ذنوب إذا واجه العدو فقد عمل خيراً ربما يكفر الله به عنه، وربما يخفف الله تعالى عنه الإثم والعقوبة، وربما يستفيد أيضاً ويتربى على السنة والعبادة بخروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بخروجه مع المجاهدين المسلمين أو الأمة المسلمة، ولكن لو فتحت المجالات بأن هذا ضدنا أو هذا يخالفنا في كل شيء فلن نقاوم أبداً أمة بأمة.
وتعلمون
شيخ الإسلام رحمه الله رجل عجيب جداً! يستنفر السلطان من
مصر، ويستنفر نوابه في بلاد
الشام، ويكتب إلى الآخرين، وذهبوا معه حتى أشد أعدائه الذين آذوه في مسألة العقيدة من المتكلمين والمتعصبين المذهبيين ومن غيرهم، كل هؤلاء ذهبوا وتعاونوا، وكلهم كتبوا -وسبحان الله حين تقرأ في التاريخ تتعجب- كل من كتب من
أهل السنة، أو من هؤلاء الذين كانوا من أعداء الشيخ ولهم مع
أهل السنة مجادلات وفتن وبلاء، الكل يثني على هذا الموقف العظيم الذي فعله الشيخ، وعلى موقف الأمة واجتماعها، وكيف دفع الله تبارك وتعالى الشر العظيم عن هذه الأمة، وكيف انهزم العدو بإذن الله تبارك وتعالى لما اجتمعت على أمر واضح، لم تجتمع على بدع والحمد لله.
اجتمعت على أمر هو الوقوف في وجه أعداء الله، وهذا الذي ندعو الناس إليه، نقول: نجتمع على ما هو مشروع، نجتمع على درء الفساد، نجتمع جميعاً على المحافظة على عفة المرأة وطهارتها، فلنفرض أن كلاً له رأي أو اجتهاد في مسائل معينة حتى في بعض قضايا العقيدة، لكن أليس عندنا إجماع على أن المرأة لا بد أن تحفظ نفسها مثلاً، وأنه لا بد أن ندرأ عنها الخطر، فليكن ذلك.
حفْظُ أبنائنا وتحفيظهم لكتاب الله تبارك وتعالى .. مقاومة العدو مقاومة جهادية، أو نصرة إخواننا هناك بالمال .. كل منا يدفع، فليدفع حتى أهل البدع، أو حتى أهل الفسق، بمعنى آخر: أن نوظف كل إيجابية في الأمة للمواجهة، ثم فيما بينها يجب أن تتناصح وتتواصى على أن تكون على السنة المحضة، وعلى الاتباع الخالص، لا تنازل عن هذا بأي شكل من الأشكال، لكن كيف تستطيع أن تجمع الأمة جميعاً، وفي الوقت نفسه أنت تحثها جميعاً أن تكون على السنة والاتباع، لكن لا تنتظرها حتى تلتزم جميعاً ثم تذهب تواجه.
هنا أيضاً لا بد أن يكون لدينا الحكمة في المواجهة والتعامل مع هذه الأحداث وأمثالها.
إذاً.. الأمة تحتاج إلى منهج جهادي شامل، وهذا الجهاد يحتاج إلى إعداد، والإعداد له مراحله وله وسائله وأدواته، فكل واحد منا عليه أن يعد نفسه في هذا: ((
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[الأنفال:60] وانظر إلى الحكمة، قال: ((
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ))[الأنفال:60] فأي شيء يرهب العدو فهو يخدم هذه المصلحة، وليس هناك شيء يرهب العدو مثلما نكون مجتمعين ونكون يداً واحدة وعلى كلمة واحدة، وهذا أمر مفروغ منه، ولله الحمد.
هذه الأمة تستطيع أن تفعل الشيء الكثير جداً، وفي هذه الظروف التي نحن نراها الآن، فلا نقول: إنه مضيق علينا، لكن هل فكرنا؟
لعله يأتي إن شاء الله تعالى بقية حول ما يجب أن نعمل، وماذا بإمكاننا أن نعمل في هذا الشأن بإذن الله تبارك وتعالى.